لو سألت القارئ اليوم عن صحيفته اليومية التي يقرأها لأجابك بقهقة عالية تعبيرا عن ان الزمن تجاوز سؤالك ، فالصحف التقليدية لم تعد تقرأ منذ سنوات والمؤسسات التي تصدرها واقعة في حيرة من أمرها ماذا تفعل وكيف تتصرف والبقاء على هذا الحال يعني مزيدا من استنزاف ما تبقى من مواردها وفقدها لكوادرها الفنية التي اضطرت بعضها لتسريحهم او خفض رواتبهم .
لذا يحب على الصحف ان تنفض الغبار عن اوراقها ولا تستسلم لواقعها المرير.
والصحافة احد أهم واجهات الدول الحضارية ومرآة مجتمعاتها وبالتالي هي ثروة وطنية يجب ان لا تهمل وتترك تواجة مصيرها رغم انها هي من صنعته.
يجب ان تفكر الصحف التقليدية بطرق احترافية وتعيد تموضعها بما يتلائم مع المشهد الصحافي الجديد وان تتغير من داخلها وتحدث ثورة في اوردتها والا ستبقى تسير على الطريق المنحدرة على حد تعبير قوقل ماب !
أزعم ان التحول الصحفي من الورقي الى الالكتروني القضية التي أثارت اهتمامي منذ سنوات وذلك لأني واجهتها ووجدت قلمي في يوم ما يتوقف بعد نفاذ ورق الجريدة التي يكتب بها فتحولت قطرات حبره الى دموع حينما احتجبت واعلن ذلك رسميا في عددها الأخير ثم كتبت عنها كثيرا من المقالات والتدوينات والتغريدات ولا زلت احاول بالمشاركة في طرق الباب وقرع الجرس وان فات الأنذار الذي يمكن ان يجنب الصحف مزيدا من الخسائر التي تدعو الى التوقف والأحتجاب فقد توقفت عدد والباقي بالطريق وان كان هناك صحف تطفئ فأيضا هناك شموع امل توقد ، فالركض الصحفي لن يتوقف ولكن بالتأكيد اختلفت أدواته.
وبأستعراض سريع على البدايات كانت المؤسسات الصحافية السعودية والعربية بشكل عام مؤسسات شبة حكومية يؤسسها رجال صحافة واعمال وتشرف الدولة على سير اعمالها وتعين قياداتها التحريرية وتراقب نبضها الصحفي عن كثب وتضبط ايقاعها بما يتلائم مع الواقع ومتغيراته ومد الحرية وجزرها وكانت الصحف آنذاك الاداة الإعلامية الفعالة التي تمثل الكيان الوطني وتضئ لوحته الإعلامية محليا ودوليا لذلك يجب ان تبقى في موقع الأهتمام الرسمي والرعاية الحكومية وان تخضع للمراقبة والمحاسبة وان تطولها يد التطوير والتجديد وقد ذهلت ان يفتخر رئيس تحرير انه عاصر مراحل ملوك المملكة العربية السعودية في مسيرة تجاوزت نصف قرن ثم بعد ذلك يطالب بأنقاذ الوضع عن طريق الدعم الحكومي متجاهلا أسباب الأخفاقات الحقيقية التي منها تشبثه بالكرسي طوال الخمسين سنة دون ان يطور او يفسح المجال للأجيال ان تعبر!
في مقابلة على قناة العربية بتاريخ 23 اكتوبر 2020م مع رئيس هيئة الصحفيين السعوديين رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك طالب في معرض حديثه او رجا من الحكومة دعم الصحف التي تواجه اصعب تحدي في مسيرتها وهذه المطالبه والأعتماد الدائم على الدعم الحكومي يفتح شهية الحديث عن آثار سنوات الدعم السابقة التي كانت تحضى بها الصحف ومداخيل الاشتراكات الحكومية والإعلانات والرخاء المالي التي تنعم به الصحف وحجم الأرباح في أواخر السنة المالية التي تسيل لعاب المستثمرين اين ذهبت ؟ ولماذا لم تستثمر في أصول متنوعة تحفظ كما يقول المثل القرش الأبيض في النهار الأسود ، اين الخطط الأستثمارية بعيدة المدى؟ اسئلة كثيرة جوابها في الجيوب المتخمة للمؤسسات الصحافية التي ينبئ مطالبتها بالدعم والأنقاذ ان ما في جيوبها قد تبخرفعلا ومجالس الادارات هم المسؤلين إداريا وماليا عما تعانية الصحف اليوم .

“غروب الشمس”
صحيفة شمس الشبابية هي اول النجوم الآفة في سماء الصحافة وأفولها او غروبها انذار مبكر لبقية الصحف ولهيئة الصحفيين السعوديين التي يرأس مجلس ادارتها آنذاك الأستاذ تركي السديري يرحمه الله فلم تتخذ الهيئة اي اجراء واعتقد حتى لم تصدر بيان ومرّ الحدث المدوّي مرور الكرام وكنت حينها كاتبّا متعاونا في الصحيفة عام 2012م وقد خرجت قبلها بأسابيع بعد ان ابلغونا واعطونا خيارات مرّة احلاها الخروج مع الباب قبل سقوط السقف والقفز من النافذة .
جمعت اشتات مقالاتي وأبنتها في اصدار حزين يحمل اللون البرتقالي الذي تشتهر به الصحيفة الرشيقة وعنونته ب “غروب الشمس، وداعا للصحافة الورقية”
وبقيت فترة وانا انتظر بزوغ فجر إعلامي جديد وكل مشروع اراه هنا او هناك اتوقعه ملامح ذلك الفجر الذي اترقبه لإيماني ان كل نهاية تعني بداية مرحلة اخرى.
ثم يأتي الحدث الاكثر دويًا هي لفظ صحيفة الحياة انفاسها الأخيرة عام 2020م وهي المؤسسة الأقوى نسبيا والأعرق تاريخا والأعمق محتوى صحفيا مما زاد الطين بلّة وأربك خطوات الصحف التي تحاول ان تستجمع قواها وتواصل مسيرها.
مع ضعف توزيع الصحف برزت الحسابات الأخبارية خاصة على تويتر وحاول بعضها ان يسد الفراغ الذي يتسع مع الوقت ونجحت حسابات في كسب ثقة القارئ واعتمد بعضها على الظهور بصفة وطنية ساهمت في تقوية حضورها الإعلامي ورأينا تعاونات محدودة بين بعض الصحف التقليدية وتلك الحسابات التويترية ان صح التعبير في نشرانفجرافيك صحفي مذيل بأسم الصحيفة على ذلك الحساب وتلك خطوة جيدة وتسير في الأتجاه الصحيح.
وما يعيب بعض تلك الحسابات انها ذوات ملكية فردية وليست لها صفة مؤسسية ومنها من يصدر من خارج الوطن بأسم سعودي وبالتالي اصبح هناك غموض او على الأقل عدم وضوح في رسالتها خاصة الغير موثقة.
ولا زالت رحلة التحول الى الرقمي جارية في بعض الصحف السعودية الرسمية وهناك تجارب مضيئة في عتمة المشهد العام ويمكن ان اذكرها كأمثلة وهي صحيفة مكة القادمة للمشهد بأسلوب رقمي رشيق وكذلك عكاظ التي تحاول ان تحافظ على توازنها بالتعاون مع حسابات في تويتر لنشر موادها بأسلوب مبتكر يعكس عراقتها الصحافية وليت بقية الصحف تحذو او تبتكر ما ينقذها او بالأستفادة من التجارب العالمية .
والذي اريد ان تركز عليه المؤسسات الصحافية اليوم ان تبتعد عن التأوه والتألم وطلب المعالجة والدعم وان تبدأ فعلا في تلمس المشاريع الإعلامية الناشئة والصاعدة في آن التي صنعها الشباب السعودي بإبداعاته على المنصات الرقمية العديدة ويمكن ان تدخل في تحالفات تقوي موقعها المالي وتجعلها قادرة على الاستحواذ وعلى تبني الأفكار الوليدة التي يعج بها المشهد الصحفي والإعلامي بشكل عام ايضا يجب ان تتحلى بالشجاعة وتحمل المسؤلية وان تفسح المجال للكفاءات الشابة في الإدارة والمحاسبة والتسويق لقيادة المؤسسات الصحافية وإعادة هيكلتها بما يتلائم مع هذا العصر الذي لا يفهمه الا ابناء جيله.
ومهما كانت الصحف تشكي من قل الموارد الا ان اغلبها تملك على الأقل اصول عقارية ثمينة تمكنها من استثمارها والأستفادة منها والعودة من جديد في طرق ابواب الصحافة الرقمية الوليدة التي تختلف في بنائها عن التقليدية من حيث اعتمادها على منصات تناسب تقنيات النشر الجديدة مثل الأنفوجرافيك والبودكاست والمقاطع المرئية القصيرة وحتى كتابة هذة السطور تشرق الشمس كل يوم بتقنيات نشر جديدة .