حلم على ضفاف الخليج

كلما رأيت خطوة اتحادية او تحالف استراتيجي هنا او هناك في هذا العالم الذي اصبح كقرية صغيرة حتى تلمع في ذهني فكرة اكتبها تارة واكبتها تارة اخرى غير انها تقاوم وتقاوم رافضة الموت غريقة في امواج المنطقة العربية المتلاطمة بالأحداث وقد تولد من رحم احد الأزمات المتواليه وهي بزوغ نجم اتحاد عربي اسلامي في منطقة ما بين “شامها” و “يمنها” وتحديدا في الجزيرة العربية التي تضم كيانات سياسية متعددة محورها وطني المملكة العربية السعودية وإمارات خليجية تتشارك معا في مجلس تعاون حاولت بعض افكار زعماءه ان تدفعه للتحول الى الاتحاد المتكامل .

وقد كان لقادة دول الخليج العربي جهود في دفع مسار التحول الى الأتحاد وكان لها الأثر في التقدم خطوات نحو التكامل رغم مد وجزر العلاقات والتنافسات بينها لولا ان نعتبرها في مساحة ما يعبر عنه المثل الخليجي ” مزارق طيب” فالجزر دائما سرعان ما يخلفه مد اطول يمكن ان يستثمر في تحقيق تنمية مستدامة وحتى الأزمات عادة ما تكون فرصة لنشوء حركة تصحيحية تصنع وتوجد واقع افضل من سابقه وتعبر بالمركب الخليجي من مضيقات الأختلاف الى مساحات الأتفاق الواسعة .

ولا زالت القيادات الشابه تنطلق من مكتسبات ما حققه السلف للخلف من مبادرات ورؤى حكيمة من الشيخ زايد والملك فهد والشيخ جابر والسلطان قابوس والشيخ ابن ثاني و أمير البحرين عيسى ال خليفة فلكل منهم بصمة وأثر يحفظها التاريخ في سجلاته وخطوات الجهود قائمة ومستمرة الى هذا العهد الميمون الذي يمسك زمامه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي يحرص ويسعى مع إخوانه زعماء دول مجلس التعاون الى تحقيق طموحات وتطلعات شعوب المنطقة وكان آخر هذا الجهود جولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تميزت بتزامنها مع ظروف اقليمية ساخنة تساهم في إمكانية طرق الحديد وهو حامي لتعيد قضبان سكة القطار الى محطته المنشودة الأتحاد الخليجي المتكامل .

وكما نعلم فدول الخليج العربي يجمعها مجلس تعاون واتفاقيات دفاع مشتركة وأخرى اقتصادية وأمنية فضلاً على النسيج الأجتماعي والثقافة المشتركة التي تشكلان وحدة متجانسة مؤهلة لأن تكون منطلقا لأتحاد خليجي يستطيع ان يمد ذراعيه الى محيطه العربي الأسلامي من خليجه الى محيطه وينافس بحجمة وقوته الأتحاد الأوروبي والولايات الأمريكية التي لا ترتبط فيما بينها بأجراءات حدودية رغم ان لكل دولة او ولاية حكومة وقوانين تحكمها وكنت اتسائل : لماذا في دول مثل الأتحاد الأوربي ذات اللغات المتعددة والعرقيات المختلفة لا يشعر المسافر بينها بالأنتقال من دولة الى أخرى الا بتغير شبكة الأتصال في تلفونه المتنقل/ الجوال بينما في بعض الدول العربية ذات اللغة الواحدة والدين الواحد يعاني المسافر بينها من اجراءات السفر المشددة وعبر الشبوك الشائكة كأنه ينتقل من معتقل الى آخر ! وكنت أجيب : ولكن نحن في دول الخليج العربي الأسهل في التنقل العربي وقد كنا قاب قوسين او ادنى من تحقيق اول الخطوات الإجرائية ممثلة بالأتحاد الجمركي وكذلك تخفيف اجراءات الانتقال من خلال العمل على تفعيل اجراء السفر بالنقطة الواحدة في دولة الدخول فقط وقد كنت حينها قريبا من الاحتفال بهذا الأنجاز أبان عملي مديرا لعدد من المنافذ الحدودية حيث نستقبل الوفود الفنية لتجهيز البنية التقنية للأجراء وشاركت في امانة مجلس التعاون في انشاء وصياغة الدليل الخليجي الموحد للأجراءات الجمركية ولكن يبدو انه حصل تأجيل وتأخير في التنفيذ على أثر اختلافات وتباين في فرض الرسوم الجمركية على سلع معينة تزامن ذلك مع أزمة المقاطعة الخليجية والتي ولله الحمد بجهود جميع الأطراف زالت وتوارت وعادت المياة تجري بأتجاه المستقبل الواعد الذي تنتظره الشعوب وتخفق له القلوب على امل ان نستثمر هذا المد والتقارب في استئناف تشكيل الحلم الجميل الذي نتشوق اليه نحن ابناء الجيل الذي نشأ في أوج وعنفوان فعاليات مجلس التعاون الإعلامية والثقافية من برامج تلفزيونية واذاعية مشتركة واناشيد وطنية خليجية نغنيها بأصوات مرتفعة وايمان عميق خليجنا واحد وشعبنا واحد لذلك فمع كل موعد عقد قمة نستبشرونفرح ابتهاج البدوي بالمطر ويرتفع سقف طموحنا مما يزيد من تلاحمنا وجاهزيتنا القصوى للوحدة حتى مع اليمن والعراق التي تشارك في دورة كأس الخليج لكرة القدم ، فمستوى الحماس لدينا منقطع النظير .

هذا الحماس جعلني في لحظة مستغرقة في التفاؤل والروح الإيجابية  أتأمل كيس معرض تجاري في الرياض موضح عليه فروعه في الكويت ومسقط  وابوظبي ودبي والدوحة والمنامة  وأشعر انها مدن في وطن واحد وليست عواصم لدول متعددة .

وهذه اللفتة التي قد تبدو عابرة الا انها تعبر عن هاجس الوحدة الذي يزداد إلحاحا مع والوقت و يتنامى مع الأحداث المتسارعة وتنبض في فؤاد كل مواطن خليجي عربي مسلم لأنها هي الأصل والتفرقة هي الاستثناء فكل الأصوات تنادي ، وكل الجهات تؤدي ، وكل الظروف تساعد.

اعود الى كيس المعرض التجاري وادخل يدي وأخرج منه قطعة ملابس فأجد عليها بطاقة تحديد السعر بالريال والدرهم والدينار وأتمنى لو انها عملة نقدية واحدة.

إلى هنا أوشك الحبر المخصص لريشة القلم في هذا الشأن أن ينتهي، ولم ينتهِ الحلم الجميل بعد، وما أودُّ أن أكتبه بالقطرات الأخيرة؛

هو ان تجربة مجلس التعاون رغم ما يشوبها ويدور الجدل حولها الا انها تظل تجربة تبعث الى التفاؤل والأمل وتحتاج من الشعوب والقادة على حد سواء الى تعزيزها ودعمها والسعي  الى بلورتها ودفعها اكثر من اي وقت مضى الى الأمام.

فماذا بقي ، ان كانت القلوب متوددة والرغبات متجددة ومن جهة أخرى الأزمات متوقدة والأخطار مهددة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s