أحمد الناصر الشايع .
علامة شعرية مسجلة في تاريخ الشعر الشعبي ليس في منطقة نجد وحسب وأنما في الخليج والجزيرة العربية فقصائده مقرر شفهي على طلاب المدرسة الشعرية وفنه اغاني عشاق الطرب المباح وسيرته درس لسالكي طريق النجاح وكلما تلوث ذوقي بشوائب الساحة الشعرية عدت الى اشعارة وسيرته العطرة التي تفلتر الذوق وتعيد اليه احساسه الذي كاد ان يتبلد انه بختصار يعيد برمجة تذوقي للشعر.
بحثت عن قصائده في يوماً ما في الصحافة الشعرية فلم أجد بها ما يغنيني فتولدت في نفسي \”شرهة\” تحتج على غياب الصحافة عنه.. على الرغم من حضوره في ذاكرة الناس.
ولما لم أجد عدّت الى ذاكرتي المليئة بالصور
الجميلة عنه كأنني أعوض الغياب الصحافي الذي وصل حد العقوق بهذا الرمز الكبير..
فتذكرت حينما رأيته أول مرة وكنت صغيرا في بداية ولعي بالأدب والشعر ولازلت أتذكر دهشتي لرؤيته التي لم أتوقعها فقد صادفته خارجأ من أحد مساجد مدينته العامرة بأهلها «الزلفي» ثم ركب سيارته «المرسيدس الحمراء، وذهب
ولم يزل نظري شاخصاً به حتى توقف عند الإشارة القريبة من المسجد ثم واصل مسيره بعد إضاءة اللون الأخضر.
هذا المنظر المثالي كان أول رؤية لي لشاعر نجم ولا اخفي أن ذلك الموقف ترك لدى انطباعا ايجابيا رائعا عن الشعراء بدئا من أدائه للصلاة .. وانتهاء بتقيده بأنظمة المرور.
واحمد الله وأشكره أن أيا محمد أول شاعر حقيقي رأيته.
بعدها دارت الأيام وأصبحت أحضر الحفلات العامة التي يحييها ومحاوراته التي لم ينزل بها إلى سفائف الأمور وانما رفعها إلى حيث منزلتها الراقية ومشاكساتها المؤدبة حتى صار مضرب مثل في المحافظة على ركائزها الأساسية دون أن تفقد متعتها حتى أنه يخيل لي عندما يقابل شاعر بمستواه أنني أتفرج على مباراة كرة مضرب من دقه تلقف الكلمات والتقاط المعاني وإعادة الرد بطريقه مبدعة وممتعة ؟
أما عندما يطوح صوته حاملأ كلماته الرومانسية على لحن شجي فلا تملك إلا أن تعلق مشاعرك على أرجوحه حباله الصوتية وتردد معه شيلاته المبدعة .. ولازلت أتذكر شيلاته في أحد أماسي الجنادرية حينما واصل جمهوره التصفيق حد
إزعاجه مما حدا به بأن يقول بتلقائيته المعهودة : لا تصفقون لين أقضي.
فضجت القاعة بالضحك والتصفيق في آن .. أما هو فبقي مبتسما حتی هدأت عاصفة الحب تجاهه.. ثم التزم الجميع برغبته وواصل إبداعه.
وأقارن بين هذا الموقف ومواقف بعض الشعراء الصغار بإبداعهم حينما يحيون أمسية ويدعون الأقرباء .. والأصدقاء ليحشدوا التصفيق له ليستمتع شاعرهم بالتصفيق لعجزة عن
إمتاع الحضور بشعره وكم أتمنى أن يؤخذ الدرس من أستاذه .
في أول تجربة صحفيه لي عام ١٤١٧هـ وأخيرة في نفس الوقت حاولت أن أبدئها مع شاعر كبير ومؤثر فما كان لي إلا أن توجهت إليه مباشرة دون أن أجري اتصالات هاتفية، أو أحدد موعد مسبق بل ذهبت إليه أصيل يوما صيفيا حار في مزرعته في الحمادة قبالة جبل طويق التي كان يقضي بها جل وقته وقابلت ابنه المرافق له وسألته عنه فحياني .. وطالبني بالانتظار قليلا
ولحظات حتى أطل علينا بهيبته ووقاره .. وتواضعه .. وسماحة محياه .. فعرفته بنفسي ورحب بي وبعد مداولات قصيرة وافق .. وبدئنا في حديث تمنيت انه لم ينتهي لمتعته وفائدته.. فقد كان شاعرأ مطبوع يظهر لك على سجيته دون تكلف أو تصنع.
تحدثنا كثيرا في أمور الشعر والأدب ومجالات الحياة فاكتشفت عن قرب ثراء تجربته الحياتية وليست الشعرية فقط.. وتأسفت حينها علي .. وعلى أمثالي من الشباب الذين يستعجلون قطاف الثمرة .. دون الاهتمام والعناية بالغرسة .
وفهمت منه أشياء كثيرة كان لها الأثر الطيب في إنارة طريقي واتساع أفق الوعي الأدبي والإعلامي لدي.
ثم عرجنا بالحديث إلى ساحة المحاورة الشعرية فلاحظت انه كان يشيد بإيجابيات المحاورة ويقتضب عند ذكر سلبياتها .
وذلك لأنه يراها بعين طبعه .. وعندما غصت معه في عمق الحوار عن المحاورة الذي هو بطل من أبطالها حاولت أن أشاکسة لأخرج بإجابة مثيره فقلت له :
من هو الشاعر الذي تخشى مقابلته؟
– صمت قليلا وكنت أنتظر بتحفز ولكنه رد بهدوء:
الشاعر السفيه .
خجلت من سؤالي وتجاوزته إلى ما بعده ثم تحدث عن تفاؤله بالشعراء الشباب .. وأمنياته بأن يواصلوا المسيرة ويتجاوزوه – كما عبر – وليس ذلك إلا دليلا على تواضعه وحبه لغيره كما يحب لنفسه .. وكم أتمنى هنا أيضا أن يؤخذ
الدرس من أستاذه .
غير أنه توقف كثيرا عند مصطلح \”القصيدة الحلم \” حينما سألته عنها والتي تروجها الصحافة آنذاك في أروقه الشعر الشبابي الذي بدورة استحسنها على الرغم من إيحائها بالعجز أو
عدم القدرة أكثر من إيحائها بالطموح.
فأجابني بلهجة عامية حادة:
“وش اللي يرده لا يكتبها ، هي ما هي شيئا ما يقدر على قيمتها علشان يقول ما عندي ثمنها”
– وهويقصد أن الشاعر المبدع لا يعيقه التحليق في الفضاء الى أبعد الحدود .
ولم أشأ أن ادخل من خلال إجابته إلى مسألة بيع الشعر المتفشي بالساحة حتى لا أصدمه بعصرنا الأدبي المتردي؟
مع ثقتي بأنه يعلم بالسلبيات .. ولكن – كما أسلفت – لا يحبذ – الحديث عنها لأنه ايجابي الاتجاه ، ويكفي أنه يرفض الحضور للحفل أو المناسبة بمقابل مادي لذلك لم أتجرأ
بسؤاله عن تلك المسألة المخجلة.
انتهى الحوار .
ورجعت إلى مجلتي مقتطفأ لها حوار ثمين لشاعر أثمن.
وكم كانت سعادتي فيما بعد حينما تم تكريمه في مهرجان شعري في الزلفي فكأنهم كرموا محبيه معه .. وهذا أقل ما يقدم لشاعر علم بحجم طويق.
– هذا بعض ما علق في ذاكرتي عن عملاق الشعر أحمد الناصر الشايع .