دائما يستهويني البدايات وظروف النشأة والتطور، والأطلاع على حكاياتها لها متعة ودهشة وبينما أبحث عن كيفية نشوء السلك الدبلوماسي في بلد مثل المملكة العربية السعودية المنتقلة من حال الى حد ما بدائي الى الأنتقال لمنظومة دولية ونظام عالمي زاخر بالتنوع والأختلاف سقطت يدي على كتاب عن بداية تأسيس الدبلوماسية السعودية ومراحل تطورها ، الكتاب يحمل عنوان \”السلوك الدبلوماسي في الممارسة السعودية\” لمؤلفه السفير الدكتور احمد جمعة وعادة السلوك الدبلوماسي يحضى بعناية الدول ويحتل اهمية اولوية في العلاقات والمصالح الدولية لذلك كان هذا الجانب محل عناية واهتمام الملك عبدالعزيز يرحمه الله الذي يعتبر عرّاب السياسة السعودية ورأس هرمها المتجذر في التاريخ حيث
\”حرص على أختيار افضل العناصر في الداخل السعودي والخارج العربي واستقطب الشخصيات القادرة على تأسيس هذة المؤسسة المهمة في بناء الدول وكان ممن استقطبهم ادباء ومؤرخين\”
امثال حافظ وهبة وخير الدين الزركلي ويوسف ياسين وفؤاد حمزة ومحلياً ابراهيم بن معمر حيث كانوا بمثابة المستشارين يحضرون لقاءات الملك بالزعماء والقادة ويدونون ملاحظاتهم ويسجلون خبراتهم ويطلعون على الاتفاقيات الدولية والوثائق السياسية حتى تم تكوين مرجعية ثقافية وتراكم معرفي بني عليها تعليمات وانظمة دبلوماسية كانت نواة لمؤسسة حكومية تحولت فيما بعد الى وزارة الخارجية واصبح لها اكاديمية علمية يتدرب بها اصحاب الاختصاص من موظفين الى مسؤلين.
في بداية قيام الدولة اقتضت الحاجة الى وجود ممثلين في المحيط الدولي ولم تكن هناك سفارات فعمد الملك عبدالعزيز الى توكيل عدد من رجال الأعمال السعوديين ممن امضوا مدد طويلة في تلك الدول وشهد لهم بالأمانة والأخلاص وسمو الأخلاق ولما يملكون من علاقات وثيقة ومعرفة بتقاليد البلاد ورشحهم الى تمثيله ولم يكن يتقاضون رواتب بل انهم يتشرفوا بهذه المهمة الوطنية التى تكسبهم ميزة ومكانة اجتماعية رفيعة فكان مثلاً في مصر فوزان السابق وفي سوريا رشيد باشا الناصر بن ليلى وفي العراق عبداللطيف باشا المنديل وفي الكويت عبدالله النفيسي والبحرين عبدالرحمن القصيبي وحتى في الهند البعيدة عبدالله الفوزان في موباي وكانوا يلقبون بوكلاء الملك ولا يتقاضون راتب وانما يتشرفون بالعمل لوطنهم وقد مثلوه خير تمثيل.
بعد ذلك تم افتتاح ممثليات خارجية اولها ممثلية في لندن عام ١٩٣٠م وعين عليها الدبلوماسي حافظ وهبة ثم ممثلية في بغداد وهي الاولى عربياً وعين عليها رئيس الديوان الملكي سابقاً ابراهيم بن معمر وهكذا توالت افتتاح الممثليات ثم السفارات وتفرعت منها القنصليات وبدأت تنمو وتكبر المؤسسة الدبلوماسية حتى تحولت الى حقيبة وزارة بيد الفيصل قبل ان يصبح ملكاً وان كان اول وزير الا انه كان مبعوث دبلوماسي للملك عبدالعزيز وقام بأكثر من زيارة دولية مثل بريطانيا وتركيا ومن الفيصل تسلسل نجوم الدبلوماسية السعودية امثال سعود الفيصل وبندر بن سلطان وغيرهم مما لا يسع المقال لذكره .
وفي عهد الملك فهد وتحديداً عام ١٩٨٤م تم انتقال جميع السفارات الأجنبية الى الرياض بعد ان تم بناء الحي الدبلوماسي ليكون مقراً للنشاط الأكثر تأثيرا في بناء العلاقات الدولية.