قلمي
من احب مقتنياتي ألي واقربها مني وأصدقها معي.
يرافقني اينما رحلت ويحل حيثما حللت ، ويسكن في ملحق خارجي لثوبي ملاصق لقلبي ، في جيبي.
انظر اليه كأنه مقياس لنبضات قلبي يضطرب لأضطرابها ويسكن حينما تسكن.
ابوح له بأسراري فيحفظها في أوراقه وأبث له همومي فيشاطرني حملها وأوقظه في غسق الليل فيستيقض ملبياً سهري وطارداً أرقي.
وقد كان الشعراء قديماً يستهلون قصائدهم بالعبارة الشهيرة : سر يا قلم و… تأكيداً على اهميته في خط الإبداع فأنني استعرتها نثراً في افتتاحية مجموعتي الأدبية عام ٢٠٠٧م (سر ياقلم ، حكايات وليست قصائد ) ثقة به وتكريماً له وتقديراً لملازمته لي في جميع الظروف.
انني اراه صديقاً وفياً يساعدني على تجاوز عقبات الحياة ومنعطفاتها الخطرة.
والقلم مخلوق عاشق من طراز نادر يضرب به المثل في التيتم الى حد البري وقد شبه الشعراء العشاق نحافة اجسادهم ب (بري القلم)حينما يضنيهم العشق والهيام وهو كذلك لأنه ينزف مشاعره الفياضة تجاه محبوبته الى آخر قطرة من حبرة.
ان لدية الاستعداد ان يكتب ويكتب في سبيل معشوقته التي برت حالة وهي ليست اكثر من (فكرة) يتعب في مشاكستها تعباً لذيذا يستطيبه حد الإرهاق ولا يتوقف وكلما اشبعها نقاشاً وطرحاً حتى يبحث عن أخرى ويصنع من علاقته بها سيرة حب خالدة ، وهكذا يبقى يطارد بنات افكاري ويوثق قصة غرامه على صفحات الزمن .
استمراراً لرغبتي في وضع بصمة خاصة تناسب نهجي الأدبي والصحافي اخترت ايضاً (سر ياقلم ) في اول عمود صحفي لي في صحيفة شمس عام ٢٠١٠ م ولأن الصحافة اكثر واسرع تفاعلاً من الكتب فقد وردتني تساؤلات عن هذا الأختيار وبعضها شبه اعتراضات على كاتب يحاول ان يآخذ من الشعر ديباجته التراثية المشهورة : سر ياقلم
فما كان من قلمي الا ان يدافع عن هويته الثقافية ويخبرهم اولاً : ان القلم وسيلة الكتابة على كافة اشكالها سواء شعراً او نثراً او حتى شقر.
ثانياً : يجب ان يعلم اولئك المختلفين معي ان كثيراً من مهام السيد الشعر وصلاحياته الواسعة التي كان يتمتع بها ابان ذروة مجد قصائدة التي يستهلها ب سر ياقلم
قد انتقلت الى حقول ادبية وإعلامية أخرى اخذت من الشعر الكثير من مهامه ووظائفه فبعد ان كان الشاعر قديماً وسيلة اعلامية لدائرته الأجتماعية يحرر بياناتها الصحافية ويقوم بالتغطية الاعلامية لحوادثها ووقائعها ويقوم ايضاً بالتأثير على إتجاهات الرأي العام والتعبئة المعنوية للجيوش في حالة الحروب.
بعد ذلك حلت الوسائل الإعلامية الأخرى محلة على كافة انواعها من صحف وكتب وإذاعة وتلفزيون ومواقع تواصل رقمية ، ناهيك عن الحقول الأدبية الأخرى مثل القصة والمدونة والرواية التي أخذت من الشعر ما بقي من صلاحياته واصبحت تنافس الشعر على لقبه التاريخي : ديوان العرب وقد يراها البعض انها تتوشح باللقب في هذا الزمن وان الرواية الديوان الحديث للعرب.
ولكن يبقى الشعر بعد كل ذلك الكائن المبدع الذي شگل نواتنا الثقافية ولا زال يحافظ على علاقته الحميمية مع العرب بقالبه الشفهي وعمقه الأبداعي واختصاراته السريعة ولم يكن اختياري لديباجته التراثية الا اعجاباً واعترافاً بتأثيرة على ثقافتي التي يغلب عليها الطابع الشعري أما من يريد ان يحاسبني على (سر ياقلم ) فهي لا تشكل من الشعر الا ما تشكله الأذن من حجم البعير فعليهم اولاً ان يحاسبوا هوامير الإعلام والأدب الذين التهموا البعير كله.